كرم الرحمن Moderators
عدد المساهمات : 125 نقاط : 525 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 28/04/2009
| موضوع: يسر وسماحة الإسلام الثلاثاء فبراير 16, 2010 4:45 pm | |
| بســم الله الـرحمــن الرحيــم السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
مفهوم يسر وسماحة الإسلام
لم تعرف البشرية نظاماً ولا ديناً اشتملت مبادئه على منهج مبني على الوسطية والسماحة واليسر كالإسلام . لأن تعاليمه تتفق وطبيعة الإنسان الضعيف { ُيرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً } ، ولذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المكلفين بالقصد والاعتدال واليسر والمسامحة فقال صلى الله عليه وسلم :" إن الدين يسر ولم يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا و أبشروا ". رواه البخاري .
السماحة هي " المعاملة في اعتدال ، فهي وسط بين التضييق والتساهل، وهي راجعة إلى معنى الاعتدال ، والتوسط أو السهولة المحمودة فيما يظن الناس التشديد فيه ؛ ومعنى كونها محمودة أنها لا تُفضي إلى ضرر أو فساد ".( مقاصد الشريعة لابن عاشور.)
واليسر هو اللين والسهولة أو رفع الحرج والمشقة عن المكلف بأمر من الأمور لا يُجْهِد النفس ولا يُثقِل الجسم.
والمقصود من سماحة الإسلام ويُسره: رحابة مبادئه وسعة شريعته ونزوعه إلى اللين واليسر. وتلبيته لنداء الفطرة واستجابته لمتطلباتها في وسطية واعتدال مع رفع الحرج والمشقة؛ والتسامح مع الغير في المعاملات المختلفة بتيسير الأمور والْمُلاينة فيها . (انظر نضرة النعيم وتفسير القاسمي) .
قال تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } .
هذه الآية وإن كانت واردة في شأن الصيام إلاّ أن المراد منها العموم عملاً بعموم اللفظ . قال قتادة رحمه الله: ( أَرِيدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم ) . (انظر تفسير ابن جرير الطبري ).
وقال تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( تضمنت الآية أن جميع ما كلفهم الله به أمراً أو نهياً مطيقون له قادرون عليه،وأنه لم يكلفهم ما لا يطيقون وتأمل قول الله عز وجل { إِلَّا وُسْعَهَا } كيف تحته أنهم في سعة ومنحة من تكاليفه، لا في ضيق وحرج ومشقة؛ فإن الوسع يقتضي ذلك، فاقتضت الآية أن ما كلفهم به مقدور لهم من غير عسر ولا ضيق ولا حرج عليهم ).( فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. ج14 .) .
وقال تعالى { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } .
قال ابن كثير: ( أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً. فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعاً وفي السفر تقصر إلى اثنين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة واحدة، وتُصلَّى رجالاً ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبلها ، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض فيصليها المريض جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنبه إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات ). ( تفسير ابن كثير، ج1)
والآيات في هذا الباب كثيرة معلومة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأديان أحب إلى الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " الحنفية السمحة ". أخرجه الإمام أحمد والطبراني والبزار. والبخاري في صحيحه تعليقاً.وقال ابن حجر: وإسناده حسن.
قال الشاطبي: (سمي الدين بالحنفية لما فيها من التيسر والسهيل ) (انظر الموافقات، ج1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدين يسر ولم يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا و أبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ". رواه البخاري .
قال ابن حجر رحمه الله وسمي الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله؛ لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم ) . ( فتح الباري ، ج1) .
وعن جابر رضي الله عنه قال كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له : أنافقتَ يا فلان ؟، قال : لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح ـ وهي الإبل التي يسقى عليها ـ نعمل بالنهار وإن معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال : يا معاذ أفتان أنت اقرأ بكذا واقرأ بكذا ". وفي رواية أخرى :" اقرأ : والشمس وضحاها، والضحى، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى ". رواه مسلم .
وقالت عائشة رضي الله عنها صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ترخص فيه وتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم قال ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية ". رواه البخاري .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادى بين ابنيه فقال: "ما بال هذا "؟. قالوا: نذر أن يمشي فقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني ". وأمره أن يركب . رواه البخاري .
وفي رواية عند مسلم :" اركب أيها الشيخ فإن الله غني عنك وعن نذرك ".
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال :" قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ". وذلك في رمضان . رواه مسلم .
إن رفع الحرج والسهولة والسماحة التي تميز بها هذا الدين نابع من الاعتدال والوسطية التي حث عليها { وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} فلا إفراط ولا تفريط ، والتنطع والتشديد حرج في جانب عسر التكليف ، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في التدين، وأنكر على من بالغ من أصحابه في التعبد والتقشف مبالغة تخرجه عن حد الاعتدال . عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد عليكم، فإن أقواماً شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين ". رواه الإمام أحمد والنسائي .
وإن السماحة واليسر في الإسلام فضلاً عن كونه غاية في ذاته ، فإنه وسيلة تعين على تحقيق العبودية لله والانصياع لشرعه ، وحفظ نظام العالم واستدامة صلاحه بصلاح المستخلفين في عقيدتهم وعبادتهم وكافة شؤون حياتهم.
وإن المتصفح لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسِيَرِ أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم من سلفنا الصالح وجد أن نهجهم مبني على السماحة والتيسير؛ فما خُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً . رواه الشيخان .
وعلى نهجه صلى الله عليه وسلم سار الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم على طريقتهم قولاً وعملاً.
قال ابن القيم رحمه الله: ( وكان الصحابة رضوان الله عليهم أقل الأمة تكلفاً؛ اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من كان مستناً فليستن بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتن، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا أفضل هذه الأمة ، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا أثرهم وسيرتهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.وقال أنس رضي الله عنه :كنا عند عمر رضي الله عنه ، فسمعته يقول: نهينا عن التكلف. ( إغاثة اللهفان ج1)
عدل سابقا من قبل محمد خالد في الثلاثاء فبراير 16, 2010 4:53 pm عدل 2 مرات (السبب : الخط) | |
|
كرم الرحمن Moderators
عدد المساهمات : 125 نقاط : 525 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 28/04/2009
| |
كرم الرحمن Moderators
عدد المساهمات : 125 نقاط : 525 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 28/04/2009
| موضوع: رد: يسر وسماحة الإسلام الثلاثاء فبراير 16, 2010 4:49 pm | |
| .اليسر في الطهارة والصلاة : مقدمة:
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه "الموافقات " عن سماحة الإسلام : ( فمن سماحته أنه جعل الأصل في العبادات التوقيف، فلا يُعبَد الله إلا بما شرعه الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن العبادة حق خالص لله تعالى، فكيفيتها، و هيأتها، والتقرب بها لا يكون إلا على الوجه الذي شرعه وأذن به، قال تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وجانب اليسر في التوقيف والتحديد ظاهر، فإن العبادات تمثل المطلوبات الشرعية . والمطلوب ثقيل على النفس ، فمن رحمة الله تعالى أنه لم يكِلْه إلى المخلوقين وإلا لأدخل بعض المكلفين على أنفسهم العنت والمشقة كما هو ظاهر من طبائع الأمم ووجود المتشددين فيها ظناً منهم أن ذلك هو الطريق الصحيح لنيل رضى الله تعالى وتحقيق الفوز والسعادة وما علموا أن الحق في الاتباع، وليس في الابتداع . ومن مقاصد التشريع سد باب التعمق، والتنطع في الدين لئلا يتمسك بها جيل فيأتي مَنْ بعدهم فيظنوا أنها من الطاعات المفروضة عليهم ثم مع تعاقب الزمن يتحول الظن إلى يقين فيقع الحرج بل قد يصل إلى التحريف والزيغ وهو ما ذكره الله تعالى عن أصحاب الرهبانية في قوله { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } .
من مظاهر السماحة العبادات : السماحة واليسر في الطهارة والصلاة :
أولاً : الطهارة : فمن سماحة الإسلام ويسره أنه جعل الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة حتى لا يقع المسلم في المشقة والحرج.
فالأصل في الماء أنه طاهر مثل : ماء البحر، الأودية والأنهار، والآبار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني في الإرواء .
إلا أن يتغير ريحه، أو طعمه،أو لونه، بنجاسة تحدث فيه.
والأصل في الأرض أنها طاهرة، لقوله صلى الله عليه وسلم :" جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ".
ويباح أيضاً استعمال آنية الكفار ما لم يتيقن عدم طهارتها؛ لأن الأصل الطهارة .
ومن سماحة الإسلام أنه شرع الطهارة على أكثر من صفة، فقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل أعضاء الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً وثلاثاً، وكل هذا سنة، والأفضل أن ينوع، إحياء وتطبيقاً للسنة . كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة.أخرجه البخاري .
وفي حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين. أخرجه البخاري .
وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثاً.
ومن يسر الإسلام أنه شرع التيمم في حالة عدم وجود الماء في الحضر أو السفر؛ أو إذا خاف باستعمال الماء الضرر بمرض أو تأخر برئه . قال تعالى { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}، أو إذا عجز عن استعمال الماء كمن لا يستطيع الحركة، وليس عنده من يوضئه، وخاف خروج الوقت ، أو منعه الكفار من الوضوء ونحو ذلك لقوله تعالى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}.
ومن السماحة واليسر وَضْعُ ما يناسب من الأحكام لكل حالة مما يحقق المصلحة وينفي المشقة والحرج . فشرع المسح على الخفين ونحوهما والمسح على الرأس . عن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه.رواه البخاري .
وكذلك على الجبيرة أو جرح يضره الغسل كما في قصة الرجل الذي أصابته شجة في رأسه فاغتسل فمات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما كان يكفيه أن يعصب خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده ".رواه أبو داوود وابن ماجة . وذلك تخفيفاً من الله تعالى على عباده، ودفعاً للحرج عنهم.
ومن يسره ورحمته أنه زاد مدة المسح للمسافر على المقيم ضعفين؛ مراعاة لحاله وظروفه فشرع لكلٍ ما يناسبه . فمدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن . عن علي رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم. رواه مسلم .
ثانياً : الصلاة : الصلاة أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وقد تضمنت هذه الفريضة كثيراً من ألوان العبادة، من ذكر الله وتلاوة كتابه، والوقوف بين يديه عز وجل، والركوع، والسجود والدعاء وغيرها.
ومن السماحة واليسر أن الله سبحانه وتعالى فرض الصلاة بالتدريج رحمة بعباده وشفقة عليهم . عن عائشة رضي الله عنها قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة في السفر وزيد في صلاة الحضر. رواه البخاري .
ومن اليسر والسماحة أن الصلوات خمس في العدد وخمسون في الميزان. كما في مسلم :" أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي بالحسنة عشر أمثالها ".
ومن مقتضى الطبيعة البشرية أن الإنسان معرض للسهو والنسيان، والشيطان حريص على إفساد صلاته بزيادة أو نقصان أو شك، فجاءت تعاليم الإسلام رافعةً للحرج والمشقة بعيدة عن الغلو والتشديد؛ فمن يسر الإسلام وتيسيره أنه لم يأمر بإعادة الصلاة ، بل شرع سجود السهو إرغاماً للشيطان، وجبراً للنقصان، وإرضاءً للرحمن.
ومن اليسر والسماحة أن الله تعالى شرع لأهل الأعذار أحكاماً تناسب أحوالهم وظرفهم،والمتأمل في صفات صلاة أهل الأعذار، وكيفيتها، يقف على كثير من الأمور المهمة : وفي مقدمتها مكانة الصلاة وأهمية صلاة الجماعة، حيث لم يسقطا في أحرج الظروف والأحوال، فأوجبها على العبد مهما كان حاله من الأمن والخوف، أو الصحة والمرض، أو الحضر والسفر؛ وشرعها بصورة تناسب مع حاله.
فللأمن صلاة وللخوف صلاة شرعت بصفات عديدة.
وإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباً إلى القبلة وإلى غيرها. لقوله تعالى { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ *فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً } وكلٌ يصلي لنفسه، فيومئ بالسجود، ويحاول استكمال الواجبات وما أشبه ذلك حسب استطاعة. لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم". متفق عليه .
والمريض تسقط عنه الجماعة ويسقط عنه القيام، فيصلي جالساً فإن لم يستطع فيصلي على جنبه ويصلي حسب استطاعته ، قال تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } . وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه :" صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ". رواه البخاري .
ويجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين، إذا كان يشق عليه الصلاة في كل وقت على حدة أو كان يشق عليه التطهر لكل وقت .. فيجمع الظهرين في وقت إحداهما، والعشاءين في وقت إحداهما. قال تعالى { ُيرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } .
والمسافر يجوز له الجمع التقديم أو التأخير، ويفعل الأرفق به، ففي حديث معاذ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يصليها في وقت العصر جمعاً، وإذا ارتحل قبل أن تغرب الشمس أخر المغرب حتى ينزل لوقت العشاء حتى يصلي المغرب والعشاء تأخيراً .رواه مسلم .
ويشرع للمسافر أيضاً قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين؛ فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر رضي الله عنه { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . فقد أَمِنَ الناس!، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " صدقة تصدق الله بها عليكم، فأقبلوا صدقته ".رواه مسلم .
ومن السماحة والرحمة أن الله تعالى كتب للمريض والمسافر من الأعمال مثل ما كان يعمل في حال الصحة والإقامة. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ كُتبَ لهُ مثلُ ما كانَ يعملُ مقيماً صحيحاً ". أخرجه البخاري . | |
|